
قصة خطبة الوداع لنبي صل علية وسلم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: «أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟» قُلْنَا (أي الصحابة): اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ ذَا الحِجَّةِ؟» قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟» قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ البَلْدَةَ؟» قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟» قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟» قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلاَ فَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلاَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ مَرَّتَيْنِ».
أي أن النبي ﷺ حرَّم في هذه الخطبة العظيمة الدماء والأموال، وشدَّد علي هذه الحرمة، وشبهها بحرمة يوم عرفة وشهر ذي الحجة والبلد الحرام؛ لما كان عند العرب من تعظيم لهذه الأزمنة والأمكنة، التي لم يكونوا ليسفكوا فيها دمًا، أو يقتلوا حيوانًا، أو يقطعوا شجرة.
خطبة حجة الوداع الدروس المستفادة:
خطبة حجة الوداع كما جاءت عن الرسول صل الله عليه وسلم:ـ كاملة التي حضرها ما يقرب من مائة وخمسة وعشرين ألفاً من الناس في مشهد عظيم مهيب.
وفي الخامس من شهر ذي القعدة من السنة العاشرة للهجرة أعلن الرسول سيدنا محمد صل الله عليه وسلم- عن عزمه زيارة بيت الله الحرام حاجاً ، وأُذن في الناس أن رسول الله صل الله عليه وسلم عزم علي الخروج لأداء فريضة الحاج فخرج معه ما يزيد عن حوالي مئة وخمسة وعشرون ألفاً من المسلمين من الرجال و النساء.
وخرج رسول الله صل الله عليه وسلم من المدينة مغتسلا متطيبا مترجلا متجردا ...في ثوبين بإزار ورداء,وذلك يوم السبت لخمس ليال بقين من ذي القعدة في السنة العاشرة من الهجرة وقد استعمل على المدينة أبا دجانة الساعدي الأنصاري ، وأحرم للحج ثم لبى قائلاً : "لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمةَ لك ، و الملك ، لاشريك لك " صحيح البخاري ، كتاب الحج ، باب التلبية.
وبقي ملبياً حتى دخل مكة المكرمة ، وطاف بعدها بالبيت سبعة أشواط واستلم الحجر الأسود وصلى ركعتين عند مقام إبراهيم وشرب من ماء زمزم ، ثم سعى بين الصفا و المروة رسول الله صل الله عليه وسلم من المدينة مغتسلا متطيبا مترجلا متجردا ...في ثوبين بإزار ورداء,وذلك يوم السبت لخمس ليال بقين من ذي القعدة في السنة العاشرة من الهجرة.
ومضي إلي ذي "الحُليفة" فصلي بها الظهر ركعتين ..وأخرج معه نسائه كلهن في الهودج. وأشعر هديه وقلده ثم ركب ناقته. فلما استوي عليها بالبيداء أحرم بالحج.
وانطلق حتى وصل " مر الظهران" يوم الاثنين وقد غربت الشمس, ثم أصبح فاغتسل ودخل مكة علي راحلته القصواء وقال:" اللهم اجعله حجا لا رياء فيه ولا سمعة"
وحين رأي رسول الله صل الله عليه وسلم البيت الحرام رفع يديه داعيا:" اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وبرا. وزد من شرفه وعظمه ممن حجه أو اعتمر تشريفا وتعظيما ومهابة وبرا"
ثم بدأ فطاف بالبيت إلي آخر المناسك.
ثم قال أيها الناس، افسحوا وتباعدوا عن الطرقات، ألا ترون ذلكم الركب المبارك، في يوم السبت لأربع أيام بقين من ذي القعدة سنة عشر من الهجرة المباركة"، هكذا نادى منادي رسول الله صل الله عليه وسلم.
نادى منادي رسول الله صل الله عليه وسلم :ـ بقصده الحج لهذا العام، فاجتمع حوله مائة وأربعة وأربعون ألفاً من الناس في مشهد عظيم، فيه معاني العزة والتمكين، ألقى الرعب والفزع في قلوب أعداء الدعوة ومحاربيها، وكان غصة في حلوق الكفرة والملحدين.
قبل ثلاثٍ وعشرين سنة من ذلكم الوقت، كان هناك فرد وحيد، يعرض الإسلام على الناس فيردونه، ويدعوهم فيكذبونه، في ذلكم الحين كان المؤمن لا يأمن على نفسه أن يصلي في بيت الله وحرم الله
لماذا سميت حجة الوداع؟!
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كنا نتحدث بحجة الوداع والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، ولا ندري ما حجة الوداع"
وفي رواية: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "وقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج بهذا، وقال: «هذا يوم الحج الأكبر»، فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم أشهد، وودع الناس»، فقالوا: "هذه حجة الوداع" (لقوله: "ولا ندري ما حجة الوداع" كأنه شيء ذكره النبي صلى الله عليه وسلم فتحدثوا به، وما فهموا أن المراد بالوداع وداع النبي صلى الله عليه وسلم حتى وقعت وفاته صلى الله عليه وسلم بعدها بقليل، فعرفوا المراد، وعرفوا أنه ودّع الناس بالوصية التي أوصاهم بها: أن لا يرجعوا بعده كفاراً، وأكد التوديع بإشهاد الله تعالى عليهم بأنهم شهدوا أنه قد بلغ ما أرسل إليهم به، فعرفوا حينئذ المراد بقولهم حجة الوداع
عدد خطبه صلى الله عليه وسلم في حجته: الظاهر من سياق أحاديث حجته صلى الله عليه وسلم أنه عليه الصلاة والسلام خطب ثلاث خطب: الأولى: يوم عرفة بعرفة. والثانية: يوم النحر بمنى. والثالثة: أوسط أيام التشريق بمنى. خطبته صلى الله عليه وسلم بعرفة: وقف عليه الصلاة والسلام يوم الجمعة في عرفة، وخطب في الناس خطبة عظيمة بليغة بين فيها الحقوق والحرمات، ووضع فيها مآثر الجاهلية تحت قدميه، وأوصى بالنساء، ودل الناس على سبيل العصمة من الضلال، ثم أشهدهم على بلاغه فشهدوا في ذلك الجمع العظيم شهادة ما اجتمع حشد مثله يشهدون على مثل ما شهدوا عليه، فقال عليه الصلاة والسلام في تلك الجموع العظيمة: «إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟»
قالوا: "نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت"، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: «اللهم أشهد، اللهم أشهد» ثلاث مرات
وهذه الخطبة فيها من المعاني شيء عظيم، وقد جمعت الأصول التي فيها صلاح الناس في معاشهم ومعادهم، ومن ذلك:
1- تحريم الدماء والأموال، وجعل حرمتها كحرمة الشهر الحرام، والبلد الحرام، ويوم عرفة.
2- إلغاء شعائر الجاهلية وشعاراتها.
3- إبطال الثارات التي كانت بين القبائل في جاهليتهم.
4- وضع الربا الذي كان منتشراً بينهم، وأول ربا وضعه ربا عمه العباس؛ وذلك ليكون قدوة في هذا الشأن يبدأ بنفسه وآله في تنفيذ الأوامر الربانية، فإن ذلك أدعى لقبول الناس، وتلك هي طريقة الأنبياء عليه السلام كما قال شعيب عليه السلام: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّـهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}
5- الوصية بالنساء وبيان مالهن من الحقوق، وما عليهن من الواجبات، وكيفية التعامل مع الناشز منهن.
6- الوصية بكتاب الله عز وجل ولزوم التمسك به، ومن لوازم التمسك بالكتاب: العمل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تعالى في القرآن قد أحال على السنة في آيات كثيرة منها: أ- قول الله تعالى: {مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ ۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}
[لقوله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
[ قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۖ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}
وهذا جزء بسيط من خطبة الوداع
تعليقات
إرسال تعليق